ولا عجب، فقد نهل من منهل الرسول الأعظم الذي قال ربّه فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم)[1234]. وقال: (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[1235]. وقال هو في نفسه: «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي»[1236]. وأمّا الثانية فيشبّ صاحبها على التزام ما يكره; لأنّ شبح الغلظة الجافية التي نشّأه عليها أبوه لا يفتأ بطارده مهما امتدّ به عمره. عندئذ يعيش حياته موزعاً بين الرغبة والرهبة، فإذا كيانه يهتزّ، ونفسه تنشطر، وإذا الرياء سننه، والجبن ديدنه، يقول بلسانه ما لا يعتمل بجنانه، ثم يقترف في الخفاء ما يشاء. * * * وطبيعي، أنّ رسول الله في رعايته لفتييه كان متأدّباً بأدب ربّه، مهتدياً بهديه الكريم. ومن ثم فإنّ كلّ ما بدر منه نحوهما، في مجالات العناية والتوجيه، هو أولى بأن يحسب في المُلهمات، ذلك لأنّ تلكم البادرات لم يكن ليقصد بها التخصيص دون التعميم. والدلالات قائمة. فلقد كان عليه الصلاة والسلام يحبّ أن يتجوّل في أسواق المدينة ومعه أحد حفيديه، حاملاً إيّاه على كفته، وربّما مصاحباً له، يماشيه على مهل حسبما تسمح