ويشهد بعضهم ويسمع ما كان من الرسول عندئذ، فيعجب له، ويقول كالمستهجن: أراه يصنع هذا بحفيده! والله، إنّ لي ولداً وما قبّلته قطّ! فينكر النبي هذه الغلظة الجافية من الرجل، ويردّ عليه: «من لا يَرحم لا يُرحم!»[1233]. ويضع بعبارته هذه حبّ الصغار موضعه، فمداعبة الطفل تعبير عملي عن الحنان، والحنان من الحبّ ... والحبّ رحمة. فإن يكن هذا الدرس الذي ألقاه محمد على أُولئكم النفر أولى بأن يكون نهجاً لكلّ الكبار، فإنّه أيضاً أولى بأن يكون قد نقش نقشاً في نفس الصغير الغضّة، فيشبّ وإنّه على الرحمة مطبوع، وعلى الحنان مطبوع، وعلى الحبّ مطبوع ... بل أنّه لأحرى بأن يتفتّق عن لون من العرفان بالجميل، ينجب الولاء، ذلك لأنّ الحبّ عادةً عاطفة متبادلة بين قلبين، هي بذل وأخذ، منح ووفاء. فأن يبدي الأب حبّه لولده فهذا عطاء، وأن يحبّ الولد أباه فهذا جزاء، وقد يجيء الجزاء عن رغبة وصدق شعور فإذا هو ولاء، وقد يجيء عن رهبة واتقاء محاذير فإذا هو رياء. فهل تستوي الحالتان؟ بل لا يستويان ... أمّا الأُولى فيشبّ صاحبها على التخلّق بالمكارم; لأنّه يأخذ باللطف النابض برحمة الله، ويمتثل الرفق المستقى من حنان رسول الله ... فإذا هو والناس على مودّة وأُلفة، صادق معهم كصدقه مع ذاته، في السرّ والعلن، شجاع رأيه، ثابت جنانه، سويّ السلوك والتفكير.