لم تنبت هذه المأثورة من فراغ، بل هي ثمرة التجربة الإنسانية الطويلة في مجال الطفولة. وعندما كان رسول الله يلاعب حفيديه، فليس لأنّ اللعب لهو وتسلية وتسرية، بل لأنّه أُسلوب تربوي للطفل في الفترة المبكّرة من حياته، يلائم قدراته المحدودة، ويجعله ـ بالرضا والشوق، وبالرغبة الخالصة ـ يقبل على التلقّي، ويتفتّح للتلقين، كما يقبل أيّ صغير على ابتلاع الجرعة الدوائية المرّة إذا ما غلّفتها بطبقة سكّرية حلوة. وفي حسباني أنّ النبي ـ وهو المربّي الأكبر ـ كان كمن يتّخذ من كلا ولديه وسيلة إيضاح تعليمية، أوحقلاً خصباً لاستنبات مبادئ التربية السليمة، ينقل الآباء من بذورها وعقلها ما يستزرع في التربة الإسلامية الخصبة. وتعال فانظره على هذه الصورة: يخرج يوماً في نفر من أصحابه، فيرى الحسين يلعب مع غلمان من أترابه، فيسبق إليه، مشوّق القلب، فيّاض البشر، محاولاً أن يمسك به ... لكنّ الصغير، استجابةً لنزعات طفولته الغضّة البريئة، يفرّ منه هنا مرّةً، وهناك مرّةً، مغرقاً في الضحك كلّما فاته. فلا يزال النبي يتبعه ويلاحقه، مظهراً له أنّه السبّاق ليزيد في متعته وسروره ... ثم يتمكّن منه، فيرفعه ويقبّله بشغف يتلألأ له جبينه، ويقول للذين معه: «حسين منّي وأنا من حسين». ويدعو ربّه: «أحبّ اللّهم من أحبّ حسيناً»[1232].