فإذا ما أخذتنا صبوة الحبّ، والحياة مستبشرة، إذن لدحينا[1228] هذا البشر ومددناه، لنغرق في ضيائه الوهّاج أيّة عتمة قد يباغتنا بها غدٌ خوّان باسر[1229]، وإذا ما أخذتنا، والحياة منكدرة، إذن لمحونا عبوسها بطموحنا إلى غد مشرق آمل . وبين طرفي الأمن والخوف: الضياء والظلام، تستقرّ بنا أو تتقلقل مشاعر، وتهدأ أوتتبلبل خواطر. ولَكَم شهدت فاطمة من هذه الصبوة الحُبّية ألواناً، كان النبي يطالع بها الدنيا في كلّ لحظة من مساء ونهار! ولَكَم عجب الناس وهم يسمعون عمّا تشهد الأُم الصغيرة من صور حبّه لبنيها، أو وهم يشهدون فإذا عجبُ بعضهم إكبار، وإذا عجب آخرين إنكار! ولا غروأن تتراوح انفعالات النفوس البشرية بالعواطف، علوّاً وهبوطاً في مراقي التقدير. في جميع أنماط سلوكه اليومي كانت تتبدّى آيات ذلك الحبّ الكبير، في حركاته كما في سكناته، في أفعاله وفي أقواله، في ساعات جدّه الرصين، وأُويقات لهوه الوقور. حتّى وهو يبشّر برسالة السماء ... وحتّى وهو بين يدي الله. * * * فلقد يشاهد وهو يدلّل أبناءه هؤلاء بالمداعبة الحلوة، واللفظ المؤنس، فلا يكون التدليل إلاَّ درساً ينبغي أن يعيه الكبار قبل أن يكون لهواً يتسلّى به الصغار . وهل قصارى ما نرتجيه للطفل إلاَّ أن يشبّ على سوية واستقامة تتوافق فيه قدراته البدنية مع ملكاته العقلية، وتتوازن فيه نزعات النفس مع إشراقات الروح؟ لقد تراه عليه الصلاة والسلام يمسك بيدي الحسين، ثم لا يزال يرقّصه ويستدرجه حتّى يبلغ بقدميه الصغيرتين صدر الجدّ المنتشي فرحاً وهو ينشد له: