«إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»[1227]. * * * ذلك حبّ فريد كأنّه محال! لا تبلغ أداني أدانيه تهاويل الأساطير، ولا تتّسع لحرف واحد من حروفه أخيلة الشعراء. وها هي فاطمة يبهرها ما يتكشّف لها عنه لفتييها قلب الرسول فلا تكاد ـ بكلّ ذخائر الأُمومة البارّة الحانية ـ أن تباريه. فلو أنّ شوكةً وخزت بنان أحدهما، أوأدمعت سلامي أصبع الآخر، لحدّثها قلب أبيها أنّه يحسّ لوقعها في نفسه مثل طعنة نجلاء من سنّ رمح حديدة محماة! ولو سالت دمعة من عين هذا أو عين ذاك، لأوشكت أن ترى أباها يجزع لانفراطها جزع بخيل على درّة له ثمينة فقدها، ودون قيمتها كلّ كنوز قارون! أفلا يحقّ لها إذاً أن تدرك أنّ حبّه العظيم هذا لصغيريه إن هو إلاَّ تعبير بليغ يطابق بكلّ حذافيره خوفه عليهما أن يصيبهما مكروه؟ بلى، ولا جدال! فعلى قدر حبّنا يكون خوفنا على المحبوب، وعلى قدر خوفنا عليه يكون الحبّ. فليس الحبّ عاطفةً أُحادية العنصر، منعزلة عن بقية العواطف التي تجيش في الصدور بأحاسيس عذبة أو مريرة، مفرحة أو حزينة، بل هو شعور طرفاه خشية وأمل، ونسيجه قلق وطمأنينة.