فلقد ارتدّت جحافل المشركين مهطعة[1220] إلى مكة، وقد أوقع الله في قلوبهم الرعب، فإذا هم أدنى إلى فلول منهزمة تلوذ بالهروب منهم إلى جيوش منتصرة أصابت الفلج على المسلمين. ولقد سلم رسول الله ... ولقد فاء رجاله إلى الإحساس الوثيق بالأمان. غير أنّ الاكتواء بسعير اليتم والترمّل، دفع الصدور إلى التنفيس بالندب والنوح عن همّها الثقيل. فإذا الأعين دموع، وإذا الأنفاس أنين، وإذا الكلمات بكاء. وعندما سمع الرسول تلك الأصوات الحزينة تندلع من بعض بيوت بني عبدالأشهل آسىً على قتلاهم، ترقرقت عيناه بالعبرات، وقال وهو أسيف: «لكن حمزة لا بواكي له!». وعرف ذلك سعد بن معاذ وآخرون من الأنصار، فجمعوا[1221] كلّ نائحة باكية كانت بالمدينة فقالوا لهنّ: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتّى تبكين عمّ رسول الله. فلمّا سمع النبي النوائح، وعلم أمرهنّ، خرج إليهنّ وهنّ في باب المسجد يبكين، وقال: «ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتنّ بأنفسكنّ». واستغفر للأنصار وقال: «ما هذا أردت، وما أحبّ البكاء»[1222]. ونهى عنه.