وأُخرى من النساء ذهبت إلى ساحة الوغى تلتمس بعض أهلها في القتلى، فتقف على قتلىً من فرط ما أُصيبوا به من جراحة وتشويه لا يكاد شيء فيهم ينمّ عن شخصية شهيد، وتحار المرأة بين نظراتها التي لا تكاد تميّز، وبين شعورها الذي يهمس لها: ها هم أولاء! فتسأل الذين شهدوا القتال: من هذا؟ فيقول قائل: أخوك. ـ وهذا؟ ـ ابنك. ـ وهذا؟ ـ زوجك. ـ وهذا؟ ـ أبوك. فتسترجع وتحوقل، ثم تسأل وما فعل رسول الله؟ فيجيئها الجواب: أمامك! فلا تكاد تسمع حتّى تنفلت إلى رسول الله، وقد توارى عنها برح الحزن، وتقول: بأبي أنت يا رسول الله! والله ما أبالي ـ إذ سلمت ـ من عطب[1219]! فبحسبها أن نجا الرسول الكريم. كذلك الإيمان! وكذلك الولاء! * * * ويقفل الرسول من حمراء الأسد بعد ثلاثة أيام عائداً إلى المدينة، فلعلّ البلدة الطيّبة لم تشهد مرّةً فرحاً أقرب إلى حزن، ولا حزناً أقرب إلى فرح، منها هذه المرّة