لمّا ولّى الناس عن رسول الله، أقبل ابن قمئة يقول: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا! تقول نسيبة: فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأُناس ممّن ثبت مع رسول الله، فضربني هذه الضربة ... ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكنّ عدوّ الله كانت عليه درعان. * * * ثم انصرف رسول الله إلى المدينة، فمرّ بامرأة من بني دينار، قد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها مع النبي بأُحد، فلمّا نعوا لها، لم تذهب مصيبتها فيهم بوعيها جزعاً، ولا انخلع قلبها عليهم هلعاً كما تقلع الكوارث المدمّرة القلوب والعقول اقتلاع العواصف والأعاصير المجنونة الشجر والنخل من الجذور! إنّما تماسكت صبراً، وملكت جأشها، وسألت الناس: وما فعل رسول الله؟ قالوا: خيراً ... هو بحمد الله كما تحبّين. ومع هذا فقد أبت إلاَّ أن ترى رأي عين، وعندئذ تحرّك لسانها بما يشبه مقوله خليل الرحمن إبراهيم إذ قال لربّه: (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) . قال الله: (أَوَ لَمْ تُؤْمِن)؟ قال أبو الأنبياء:(بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)[1215]. وكذلك قالت المرأة الدينارية للناس، وكلّ مشاعرها مشوَّقة متحفّزة لرؤية رسول الله، فأشاروا لها إليه، فأقبلت نحوه تهطع[1216]، ثم قالت ومحيّاها ابتهاج: كلّ مصيبة بعدك جلل[1217]، يا رسول الله[1218]! * * *