فلمّا رأى أبو سفيان معبداً سأله: ما وراءك يا معبد؟ فأنطق الله الخزاعي: ورائي أنّ محمداً قد خرج في أصحابه يطلبكم، وهم يتحرّقون عليكم تحرّقاً، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا ... فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قطّ! فرجّ قوله شيخ قريش فهتف: ويلك! لقد أجمعنا الكَرَّة عليهم لنستأصل شأْفتهم. قال معبد: فإنّي أنهاك عن ذلك، فوالله ما أراك ترتحل حتّى ترى نواصي الخيل. فقذف الله الرعب في قلب أبي سفيان وجنوده فانثنوا إلى مكّة! * * * حتّى النسوة المهاجرات والأنصاريات ممّن حضرن القتال، أو شهدن أعقابه، كنّ كثيراً ما يغالبن طبائعهنّ الأنثوية الرقيقة، وهنّ يتابعن المقاتلة من المسلمين، بالسقيا والرعاية والتمريض، غير آبهات بما يلقين من لأْواء[1209] وبلاء. كنّ ينفضن الجزع، ويلذن بالصبر، وتأخذ بعضهنّ سورة الغيرة على دين الله، حتّى ليقفن ـ أحياناً ـ في المعامع مواقف الرجال. فلقد كانت للمرأة المسلمة في الجهاد أدوار ذكرت منها صحائف التاريخ جانباً، وغفل عن ذكر جوانب منها رواة الأخبار. وها هي الزهراء، كمثال، تمحّض أباها رعايتها، وهي بعدُ في بواكير عمرها النضير، وتمسح عنه أذاية الأعداء. ثم لا تكاد تغيب عن مشاهدة حتّى لنراها تصحبه في الفتح الأكبر فتدخل معه مكة، وتحضر ساعات تطهيره المسجد الحرام من أرجاس الأصنام، يوم ردّه الذي