أرادوها لأسيرنّ إليهم ثم لأناجزنّهم!». وقال كأنّما يتحدّث عن ظهر الغيب: «لا يصيب المشركون منّا مثلها حتّى يفتح الله علينا»[1207]. وصدق. ويأتمر علي بأمر الرسول، يقول: «فخرجت في أثرهم أنظر ماذا يصنعون، فجنّبوا الخيل، وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة». ومنذ تلك اللحظة بدأ التحوّل الكبير، وعت في أهل الشرك ألباب كانت لا تعي، ورأت أعين كانت لا تبصر، وفقهت قلوب كانت كالجلاميد ... وراحت الشمس تغرب عن أُفق الأصنام. * * * ولم تكن الصدفة وحدها هي التي ساقت أبا سفيان وجماعاته الضالّة هذا المساق، بل صدْقُ التوقّع وحسن التدبير، بل سخّر الله من أهل الشرك من يخدم أهل الإيمان! قيل[1208]: وأقام الرسول وجنده بحَمْراء الأَسَد، على ثمانية أميال من المدينة ينتظرون انكفاء أعدائهم إليهم، فمرّ بهم معبد الخزاعي وهو يومئذ رجل مشرك، فقال لرسول الله: يا محمد، أما والله لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم! وانطلق من لدنه حتّى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى المسلمين ليقضوا عليهم، تقول شياطينهم بعضها لبعض: أصبنا حدّ أصحاب محمد وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لا والله! لنكرّنّ على بقيتهم، فلنفرغن منهم!