عن مواقعهم عند الجبل ذلك النفر الذين أغرتهم الأسلاب، ولا أحفظ لهم من استبعاد أهل النفاق من صفوفهم لأنّهم قوم لا يُؤمَنون، ولا يؤمنون. ونشط الناس للخروج ... حتّى الجرحى والمصابون أسرعوا يلبّون. وهل شيء أحقّ بالتلبية من دعوة للجهاد؟ قيل[1205]: إنّ رجلاً من بني عبد الأشهل شهد أُحداً هو وأخ له، ورجعا جريحين، فلمّا أذّن مؤذّن رسول الله بالخروج في طلب العدوّ، قال لأخيه: أتفوتنا غزوة مع رسول الله. ولم تكن لهما من دابة، وما منهما إلاَّ جريح ثقيل ... لكنّهما خرجا. يقول هذا الأشهلي: وكنت أيسر جرحاً من أخي، فكان إذا غُلِب على المشي حملته نوبةً، ومشى نوبةً، حتّى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. فصدّق الفعل قول الله: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِمَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)[1206]. * * * ولم يكن هذا الذي ارتآه الرسول صدى غضب، ولا نبتة برية غرستها الحماسة، ولا مغامرة فورية غير محسوبة المقدّمات والخواتيم ... بل قد كان وليد فكر وتدبّر وحسن إعداد. وتعال فانظره كيف يستوثق لنفسه ولرجاله، ليبني خطّته على قوائم رواسخ، ودعائم صلاب لا منفذ فيها الوهن، ولا موضع لثغرة. إنّه يدعوا إليه أمينه: علي بن أبي طالب، فيأمره: «اخرج في آثار القوم، وانظر ماذا يصنعون وما يريدون، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنّهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده، إن