نعم لا يفلحون! لا نجاة لهم من بطش الله، لا فلاح وإن استطالت بهم الأعمار. لا فرار ... فنقمة ربّك قريب، وخسارهم مكتوب، ومكرهم السيّ بهم محيق ... فان يكن الله أمهلهم، فرويداً يمهل. فإذا تعاقبت الأهلّة قافلة زمنية، واستدارت وجوه البدور، وسافر النور في النهار، بين الشروق والغروب، وانساحت الظلمة على الأُفق المعتمّ، من غسق الليل إلى عماية السحر، وترحّلت الشمس في بروجها، تدور دوران النول بخيوط غزل، وتنسج دقّات القلوب ساعات، والساعات أنهراً وأمسيات، والأيام والليالي شهوراً، والشهور حؤولاً ... بضعة حؤول قليلات. إذا حدث هذا حقّت في التوّ كلمة الله، وانتصر محمد، وارتفعت راية الإسلام، وخسِئَ الذين ظلموا، فإذا فريق منهم كبير يُكبُّون على الوجوه أذلّةً صاغرين، وإذا البقيّة يخرّون صرعى ممزَّقين، يلوّث ريحهم العفن الهواء، ويتأذّى من جسومهم النجسة الرمال والحصباء. * * * ثم أفلح أخيراً الرماد! أغمضت الجروح عيونها الصاحية بعد طول حملاق، رقأت الأدمع الحمراء، جمدت على جفونها الدماء. وفي الحال أحسّت «فاطمة» بقلبها يثوب إلى صدرها ويطمئنّ، كما يؤوب إلى عشّه الآمن طائر شريد بعد طول سرىً وتجوال، وهو يضرب بجناحيه على غير هدىً في متاهة الفضاء. انجلى الكرب إذاً عن الرسول، هجعت فيه سورة المواجع بعض هدوء، فاء هوناً إلى السكينة. وعلى فداحة الضربة القاصمة التي نزلت برجاله، ذلك السبت الخامس عشر من شوال الدامي، وتركت جيشهم قطائع وشراذم، وعلى شدّة معاناته النفسية بسبب