وتتلكّأ بها ـ في ترقّبها الراجي ـ مسيرة الأيام، فالرُّقْبة[1156] تؤود الصبر، والانتظار عبء تنوء به النفوس. إنّه بطيء الحركة إلى درجة الجمود، ثقيل القدمين كمشلول! يحبو على أرض الواقع كطفل ما يزال رخو العظام، لا يكاد يطوي من رقعة الزمن الممتدّة أمامه شيئاً ... فالزمن فراسخ، والخُطى أشبار. فيا لفاطمة من هذه الرُقْبة الثقيلة! إنّ يومها شهر! وإنّ شهرها عام! وإنّ جنينها ـ من فرط حنينها إلى لقائه ـ ليوشك أن يبدو كالمتراخي عن مبارحة مكمنة الطهور، إيثاراً له على دنيا الناس! غير أنّ كلّ أمر بميقات، وكلّ ثمرة بأوان. وعندما أخذت الرهراء تهدأ جأشاً، وتطمئنّ بالاً، طلعت عليها وعلى آل محمد أُم الفضل زوج العباس بن عبدالمطلب بما زلزل في نفسها السكينة، وهاج في قلبها الخوف على الوليد المنتظر أن يصيبه شرّ يفدح ويهول. قيل: رأت أُم الفضل في نومها حلماً مفظعاً، فملكت نفسها أن تظهر عليه أحداً، وأخفته عن القريب والبعيد. وما لها لا تخفيه وإنّ نبأه ـ فيما تخال ـ مشؤوم؟ نذير! شرّ مستطير! فلو أنّها باحت به إذاً لكان خليقاً بأن يخنق في الأُم الصغيرة مناط أملها الذي انتظرته الشهور الطوال، وينزلها نفس منزلة أُختها الكبرى التي أنزلتها نخسة «هبار». وعقلت أُم الفضل رؤياها وراء شفتيها أن تذيع، أخذت لسانها باللياذ[1157] بخرس خرساء، وكما تلوك في شدقيها[1158] قطعة الصبّار المرّ، راحت تلوك الكتمان.