لكنّها لم تعد تطيق، وأسرعت بسرّها إلى الرسول، قالت له: يا رسول الله، إنّي قد رأيت رؤيا. وأمسكت هنيهة من إشفاق، وصدرها يكاد ينفجر، فلمّا رأت من الرسول إقباله عليها بكلّ سمعه، استأنفت تقول: رأيتُ عضواً من أعضائك وقع في بيتي! فما كان أشدّ عجبها إذ شهدته قد تهلّلت أساريره، واستضاء بالبشر محيّاه، وسمعته يقول: «خيراً رأيت! تلد فاطمة غلاماً فترضعينه»[1159]. أفكذاك؟ ألا ما أسعد الرؤيا، وما أسعد التأويل! وتاهت المرأة في دنياً من الفرح شتيتة الحدود والأبعاد ... قد انفرج فمها عن ابتسام، وتعلّق على شفتيها كلام. لكنّها لمن تنبس[1160] ولم تهمس ... وماذا تقول وكلمات الدنيا كلّها لا تحسن الأداء عمّا يخامرها من شعور؟ وغمر عالمها النفسي سنا[1161] وهّاج، لو أشرق على الناس جميعاً لا نبهرت به منهم أبصار، وتكسّرت جفون. وتدحرجت من عينيها دمعتان خاشعتان، كأنّهما حبّنا مسبحة لؤلؤانية تسبّحان: شكراً لله!