المغرّد عن الطمأنينة والقرار. كلّ اضطرابه لهذا الذي تكنّه في دخيلة جوفها كانت بشيراً بانحسار من الأشجان، وكلّ انتفاضة له ترفّ بين جنبيها كجناحي عصفور كانت تحوّل الساكن إلى مهموس، والمهموس إلى مسموع، والمسموع إلى مشهور يغمر محيّاها بالغبطة والسعادة، ويجري على شفتيها إشراقات بسّامة، فيها دفء حنان الأُم، وفيها خفر البتول العذراء. وكلّ حركة تبدر من الجنين المكنون كانت وثبة يطفرها طفراً على طريق الرجاء، وسطراً معبّراً أنيقاً في صحيفة الوجود. كأُنثى راحت تجتاز من حياتها مرحلةً جديدةً، كان فكر الزهراء موزّعاً بين طمأنينة يومها الماثل وبين رقبة الغد القابل، بين الحلم المأمول وبين الخوف الآمل وكأُم عربية، أما ودّت لو تمخّضت عن غلام؟ فتلك رغبة حبيبة إلى جميع الأبكار، إلى كلّ مثيلاتها الواقفات على عتبة الأُمومة وإن تفاوتت بهنّ الأُصول ... فالعجب لهنّ وهنّ الإناث أن يؤثرن الذكران! لكنّها طبيعة في النساء اطّرادها قانون! على أنّ رغبة فاطمة في إنجاب وليد ذكر كانت تنبعث، أكثر انبعاثها، من حبّها لأبيها، وشوقها الظامئ إلى أن تقرّ عينه بغلام هو الذي وهبت له البنات وحرم البنين . أفيمنّ عليها الله؟ أيسعدها، ويسعد نبيّه فتنسل فتىً تتكرّر فيه سيرة رسول الله، وتتعاقب من خلاله صورته الطاهرة؟ لئن تحقّق حلمها هذا فمنّة من الكريم المنّان، ولئن رُزقت أُنثىً فحمداً له سبحانه: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ)[1155]. * * *