صُدّت صغراهنّ بنذالة «جناح». نشط اللئام إلى ردّها القهقرى على الطريق، ووقف «كنانة» دونهم بنبله، يتهيّأ لرشقهم بالسهام، لكنّ الخسّة أبت على «هبار» إلاَّ أن يقهر الركب المرتحل على العودة. على حين غرّة نخس[1148] الجبان بعير الراكبة، فجفل[1149] يركض بها، خابطاً خبط عشواء، يلوذ بالجموح ... وفي لمحة خاطفة طوّحت[1150] الجفلة المفاجئة بزينب عن الظهر لتتلقّاها صخرة بكلّ ما فيها من صلابة وقسوة، فإذا هي على الأرض غريقة في الدماء. ولم تدْمَ السيدة من جراح في ظاهر البدن، إنّما دُميت من داخل جوفها المستور، فلقد أجهضتها السقطة العنيفة جنيناً، عاش من عمره الرحمي بضعة أشهر، وكان ينتفض بالحياة تحت عين الأُمومة الدامعة حتّى نضبت منه معين الحياة على مهاد الرمال. * * * واختلطت العبرات بالعبرات وبكت الأُختان ما نزفت مآقيهما الحزن والألم والفجيعة قطرات. في كلّ حرف من كلمات زينب، كانت فاطمة ترى دمعةً تتألّق كمرآة يتراءى على صفحتها المصقولة خيال الحسرة. ومع كلّ نبرة من جرس ذلك الصوت الحزين، الذي يخنقه لهاث التفجّع وتأوّه الأنين، وبما كانت تحسّ في جسدها هي مثل أثر نخسة «هبار» يزاحم على جرحها القديم أثر نخسة سيف «ابن نقيذ».