مرّة أُخرى يعود إلى الحياة «ابن نقيذ» آخر في إهاب «هبار»، ويقف أبو سفيان نفس موقف أبي جهل، فيسلك مسلكاً أقلّ ما يوصف به أنّه مناقض للمروءة وحقوق الجوار، فضلاً عن رعاية صلات الأرحام فلقد بلغ أبو العاص بن الربيع مكة بعد تحرّره من الأسر، وهو موفور، وبادر ما وسعه البدار، فهيّأ امرأته للرحيل إلى المدينة; وفاءً لعهده الذي عاهد عليه حماه الكريم. فما كان له إلاَّ أن يفعل بعد أن فرّق بينهما الإسلام بعد تحريم المسلمات على المشركين. وانطلق الرجل معها فشيّعها مرحلةً، ثم عهد بركبها إلى أخيه «كنانة بن الربيع» ليبلغها مأمناً تلحق منه برسول الله. فلمّا قطع الركب بعض الطريق، فوجئت زينب وكنانة عند «ذي طوى» بكوكبة من لئام قريش، في السلام، يقطعون عليهما السبيل. قيل: وكما كان أبو جهل وراء مطاردي فاطمة، وعلى رأسهم «جناح»، كان وراء أوغاد ذلك اليوم أبو سفيان. وقيل: بل كان فيهم لينظم بنفسه حركتهم، ويرقب عن كثب انقضاضهم على «الفريسة»! ولقد كان من سفه هذا السلوك من شيخ قريش أن تحرّك لسان زوجته «هند» بالقدح فيه. قيل: أخذت عليه فعلته وفعلة رجاله هؤلاء، فعابته وإيّاهم، ورمتهم بشعر يخزيهم، ويضعهم من الخسّة حيثما ينبغي أن يوضع أمثالهم في مراتب الجبن والصغار. همجتهم تقول وهي تعيّرهم بهزيمة بدر: أفي السِلْمِ أَعيار جَفاءً وغلظةً *** وفي الحربِ أمثال النساءِ العَوارك؟ وكيفما كان دافع المرأة إلى هذا الهجاء المستغرب منها في ذلك الوقت، فلقد تكرّر مع زينب عند ذي طوى نفس المشهد الذي رسمته الأحداث من قبل، نهار هجرة الزهراء.