بالكلمة الحلوة، والبسمة العذبة، وبالفرار منه إلى طريق بعيد، لا يعرج عليه، ولا يلمّ بذكره ولو بلمحة لحظ أوبمجاجة لسان؟ لا جدال. فلم تكن تسترسل على السجيّة ... لا بالكلام ولا بالخلجات. كانت تتحفّظ، كأنّما لكلّ كلمة عندها لجام، ولكلّ خلجة عنان. فهي تتحدّث بحساب، وتضحك بمعيار، تصطنع البشر، تكتم الألم، تكبح الإحساس، تقسر عينيها على ابتلاع الدموع! غير أنّ مشاعر الأُبوة الملهمة كان لا يعييها اكتناه الخفاء، وطبيعة الأُنثى في فاطمة كانت تهمس لها، في قرارة النفس، بما حاولت زينب ستره عن العيون والآذان. فلماذا الكتمان؟ وسألتها الزهراء ... ولعلّها ألحفت في السؤال. فهل تجيب؟ لكأنّي بها تؤثر أن تظهر السعادة، فتضنّ[1146] بجواب تخشى أن يخدش بالأسى قلب الصغيرة العزيزة، ويضيف إليه هماً جديداً فوق ما يحمل من هموم وآلام. غير أنّ أحاسيسها ما لبثت أن تفجّرت على شفتيها الباهتتين، وفي عينيها الحزينتين، شجواً من أنّات وعبرات. وكان حديث. * * * ورأت الزهراء نفسها في ذلك الحديث. كما طارد المشركون فاطمة عند خروجها من مكة مهاجرةً، طاردوا أُختها الكبرى زينب عند خروجها ـ في رحلتها هذه ـ من البلدة الحرام إلى مدينة الرسول، منذ بضعة أيام.