اللوحة الثالثة على عتبة الأُمومة التقت الأُختان ... التقتا فإذا هما قلبان يتعانقان من وراء غلافيهما الجسديَّين ليمتزجا عاطفةً بعاطفة، ووجداناً بوجدان. لكن ... ليست هكذا كانت زينب مظهراً وهيئةً يوم وقع الفراق من سنتين أو ثلاث سنوات، يكاد شعور الزهراء يوحي إليها أنّ في أختها الكبيرة شيئاً تغيّر وإن هي أبدت من حنينها المستبشر، ومن هدوئها المطمئنّ ما ينقّيها من كلّ إحساس بالألم والقلق وشرود البال. إنّ طلوع الوافدة الحبيبة عليها لأدنى صورة من بشاشة الأُفق الرائق في نهار ربيعي، نسيمه رقّة، وسماؤه صفاء، لولا غيمة عابرة كدرت جانبه بمسحة من ظلال تراكمت فإذا هي كعتمة الغسقّ المغير على النور. إنّها كضحكة مغنّة عدا على رنينها أنين أو كإشراقة تغلّلت بسهوم الوجوم، أو كشمعة تنشر الضياء وفي دخيلتها يقين بأنّها تذوب. كانت كذاك! فعلى صفحة وجهها المتهلّل سطور أوجاع، وفوق جبينها المتألّق شيات قطوب، وتحت إهابها يترقرق الشحوب، وفي مشيتها إعياء. أفكانت تحمل نفسها على أن تخفي عن أبيها وأُختها شيئاً تعانيه، فتستره