لو أنّها قورنت بكنوز قارون لخسّت كنوز قارون! ولو أنّها عويرت بمثل أُحد ذهباً لرجح بها الميزان! كفى أنّها هدية خديجة. فقيمة الشيء المهدى ليست بعنصره إنّما بقيمة مهديه، ليست في ذاته بل بقدر ما يبعث في النفس من حلاوة الذكريات. وتأثر رسول الله ... فإن تفدي ابنته زوجها بهدية أُمها الحبيبة يوم العرس، لهو الفداء أغلى الفداء، وهو قمّة الوفاء للأسير، وهو سموّ بمقام زينب، وسموّ بقدر أبي العاص. وحمل محمد معه تلك النفحة من ذكرياته، ومضى يحدّث الناس من سويداء قلبه الكبير الكسير، فلعلّ حنانه سبق لسانه وهو يقول: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا عليها مالها، فافعلوا ...»[1145]. فأخذتهم رقّته إلى الاستعبار! وقالوا له: نعم يا رسول الله. وعلى الأثر انتحى الرسول بأبي العاص ناحيةً، يسرّ إليه كلمات تلقّاها الفتى بالقبول، وبوعد قاطع لا حنث فيه. فإن هي إلاَّ سويعة حتّى انطلق الأخوان: الأسير والوافد، على طريق مكة، وثالثهما الحريّة. فما أن بلغا غاية السعي حتّى هيّأ أبو العاص زوجته للرحيل، ثم مضى فشيّعها بعض الأشواط. لقد ترجم الرجل السرّ إلى فعل، وفى بوعده الذي قطعه للرسول ... وعمّا قليل تصل زينب إلى المدينة، لتلحق بأبيها وبالزهراء. ثم كان اللقاء ... إنّه لقاء سبقت فيه الأشواك الأشواق، وتعالى همس الأنين على ترنيم الألحان.