من عجب أن ّ سادة قريش علموا بهذا الذي حدث قبل أن يحدث، ثم أبى عليهم الغرور أن يجتنبوه. اقتحموه! اندفعوا مع الصلف والحماقة فكان هذا المصير المحذور. وتحقّقت عندئذ رؤيا عاتكة بنت عبدالمطلب التي شاء «أبو جهل» زعيم القوم أن يعيرها أُذناً صمّاء، ويلقاها بالسخرية والازدراء. قيل: رأت عاتكة[1135]، قبيل بدر، في منامها ما روّعها، ملأ نفسها فزعاً، وقلبها هلعاً أن يحيق بقريش مكروه لا تكاد تسلم من شرّه دار ... فانطلقت مذعورة مع الصباح بحلمها المروّع إلى أخيها العباس. قالت له: يا أخي، رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وإنّي أتخوّف أن يدخل منها على قومك شرّ. فأقبل عليها بكلّ وعيه يستنبئها الخبر: وما أفزعك؟ قالت: فاكتم عنّي أُحدّثك. ـ أفعل. ـ رأيت راكباً أقبل على بعير له حتّى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر إلى مصارعكم! فأرى الناس اجتمعوا إليه. واضطربت منها الأنفاس كأنّما من لُهاث[1136] ملأ رئتيها بلفح[1137] السموم وهي تركض صديانة[1138] وقت الهجير، عبر الصحراء، من سراب إلى سراب! واستطردت تقول: ثم أخذ صخرةً فأرسلها، فأقبلت تهوي، حتّى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار إلاَّ دخلتها منها فلقة[1139].