رنوة ثاقبة إلى الأمام، صحوة كانتفاضة الروح في جسد جنين يتهيّأ لساعة المخاض، بعث لفترة خلت، في ملاكها مثل عصا موسى بن عمران، وملكات السيد المسيح التي حقّقت جميعها الخوارق والمعجزات، إحياء لغابر ذاهب، يردّ الغائب، ويحيي الرميم، ويعيد العمار إلى الخراب، كما يهزّ ركود الخامد، ويقيم دوارس[1133]الأطلال، ويرفع القواعد على الرسوم والآثار ... فإذا هذه وهاتيك أشباح يدبّ فيها نبض الحركة، فتلهم التغنّي بأُنشودة الوجود، وتؤتى القدرة على النموّ فترتفع قصوراً شامخة، وصروحاً شمّاء ذات عماد وأوتاد. وكان من أمر زينب ما رأت فيه الزهراء، ورأى التاريخ، أروع مثل للحبّ والوفاء، يعز عن الشبيه والنظير، ويسمو بكماله على كلّ مثال افتنت في نسجه أخيلة الأساطير. فما الذي كان؟ قيل: وقعت الواقعة عند ماء بدر، بين حفنة من المؤمنين وبين أضعافهم من الكفّار ... فلمّا هدأ صليل السلاح، وسكنت الجعجعة[1134]، وانجاب النقع عن ميدان الموت ... كان الله قد كبت أعداءه، وأعزّ جنده، وحبا حزبه القليلين نصراً مؤزّراً في مضمار الوغى وساحة النزال. فلقد شاعت القتلة في طائفة كبيرة من أتباع الشيطان، وأثخنت آخرين الجراحات، وملك الهول زرافات منهم، فركنت إلى الفرار، تلتمس في متاهات الصحراء ومفاوزها مسارب للنجاة، ووقعت جماعات في الأسر حبيسي قيود وأغلال، يساقون إلى المدينة مساق الدوابّ. وتجلّلت مكة الحداد ... ففي كلّ قلب لوعة، وفي كلّ عين دمعة، وفي كلّ بيت قتيل، وفي كلّ أُسرة يتيم.