وبحسّها العاطفي: فإن بشرها عبوس، استضاءة محيّاها دموع، نظراتها جوفاء. أقد انطفأت الشمس، أم غرق القمر في المحاق، أم حشا ناظريها سواد؟ * * * غير أنّها ـ إذ التقت بزينب ـ تبدّلت هيئة بهيئة، وإحساسها بإحساس، تغيّرت مظهراً ودخيلة، زايلتها الوحشة، عاودها الأنس. اللقاء البهيج رجع بمشاعرها القهقرى إلى حيث مراتع الذكريات ... حيث العشّ الهادئ بجوار الكعبة الغرّاء، حيث الدار التي أصبحت بعد أهلها خواء[1131] وإن هم تركوا فيها بصمات ستتحدّث عنها الجدران، ويعيها الزمان ما بقي زمان! إلى عهد الطفولة الحلو الذي عاشته إشراقة بسمات ورنين ضحكات، إلى البال الخلي، إلى الأمن والطمأنينة وإشراقة الآمال. فما أحبّه إلى نفسها من لقاء! إنّه ليس ردّه بعجلة الحياة للوراء، ليس وقفة على حافّة الجمود، ليس عيشاً في زمن رثيث[1132] مهجور. ها هي مرة أُخرى في خضرة العمر، في نضرة العيش، والدنيا فجر وندىً وزهر. فإن يكن امرؤ يرى ذلك كخطوة إلى أمس للوراء، أو يظنّ أنّ الحياة مزق وقطائع: الماضي مزقة، والحاضر مزقة، والمستقبل مزقة كلّها على انفصال لا على اتّصال، فإنّ رأيه إذاً قد خاب، لأنّ الحياة وحدة مكتملة تجمع ما غبر إلى ما حضر إلى ما سوف يكون ... إنّها سلسلة من حلقات موصولة، تفقد ذاتها بالانفصام، استمرار واستطراق. واجتماع الأُختين عندئذ على ساحة الادكار، هو لقاء فوق أرض الحاضر، يضمّ أجمل ما انطوى في أمس راحل، وأعظم ما سينجاب عنه غد مأمل.