يا رسول الله، إنّه قد بلغني أنّك تريد أن تحوّل فاطمة إليك ... فهذه منازلي! وهي أسقب[1125] بيوت بني النجّار إلى دارك، وإنّما أنا ومالي لله ولرسوله. فاستضاء لمكرمة حارثة محيّا الرسول. وأكمل الرجل: والله، يا رسول الله، إنّ المال الذي تأخذ منّي لأحبّ إليَّ من المال الذي تدع. وأنفذ عزمه، وأخلى داره ... وتحوّلت الزهراء إليها كما اشتاقت، وكما اشتاق قلب النبي الكريم. وانتفت المسافة ... وتلاصق الجداران! * * * بعد القرب القلبي، بلغت الحبيبة أدنى القرب «المسافي» من الأب الحبيب، وغدت وهي تسمعه وتراه، فتنعم بلقياه ما أرادت وأراد، في كلّ نهار ومساء، لا يكاد يغيب عنها هيئة، أو يسكن صوتاً ما بقي بالمدينة لا يخرج منها إلاَّ للقاء ناء، أو إلى غزاة. ثم لم تلبث إلاَّ قليلاً حتّى نعمت بجوار أُختها «زينب» التي كانت قد تخلّفت بمكة لم تبرحها مع المهاجرين. بعد فراق موحش التقتا، وقد شطّ[1126] بينهما بالهجرة المزار، ونأت[1127] الديار عن الديار بضعة من الزمن بدت كأنّها حؤول، أو حولاً بدأ كأنّه الدهر الدهير. فأيّ لقاء! إنّه اللقاء الفيّاض بالحبّ والحنين فيضان نهر عظيم، لا يتمهّل انحداره، ولا يهدأ تياره، وهو ينصبّ انصباب السيل الجارف من أعالي الجبال، وهو اللقاء الذي أثابها فرحاً غامراً بحزنها العبقري الذي ما فتئت نفسها إلى اليوم تعانيه، وتعيش فيه.