اللوحة الثانية قلادة خديجة ظلّ همّ رسول الله، كلّما غدا أو راح، أن يبدأ يومه ويختمه بزيارة «الزهراء». فهو يعودها مع إقبال كلّ صباح، ويودّعها مع أُفول كلّ مساء، وقته لها بعد الله، وحرصه عليها بعد حرصه على البلاغ. وكانت الشقّة بين بيتها وبيته قصيرة، تحسب بالخُطى والأقدام، ومع ذلك فحنينه إليها لم يكن ليرويه لقاء، وحنينها إليه كان كخيط موصول، يربط بين العين والعين، وبين القلب والقلب وإن توارى ترامق اللحاظ ودبيب الخفوق وراء امتداد الأبعاد. فلمّا بلغ حنينه إليها ـ على القرب ـ شأوه، واستبدّ بها حنينها إليه، على رنو البصر وقصر المسافات، ساقت إليه رغبتها المشوقة التي تفترس صبرها على بعده المحدود، مهيبة به ألاَّ تفصلها عن داره دار، ولا عن جداره إلاَّ جدار. أملها أمله ... وشوقها شوقه. حتّى إذا طال عليها مدى الوقت بمقياس الحسّ والشعور لا بمقياس السنين والشهور، والتوت الأيام أقواس أهلّة، واستدارت الأقواس فإذا هي بدور. ثقل عندئذ على الأب وقْر حنينه، فمضى إلى الغالية يقول: «إنّي أُريد أن أحوّلك إليَّ»[1121].