ونحن مع بنت نبي الهدى *** ذي شرف قد مكنت فيه في ذروة شامخة أهلها *** فما أرى شيئاً يدانيه وتعاود السيّدات إنشاد البيت الأول بعد كلّ فقرة. وانساب موكب الزفاف بين جمهور أهل المدينة، من رجال ونسوة وصبيان، انسياب قارب متمازج الألوان، منشور الشراع، يتهادى على وقار وهينة نحو مرساه. وكان المرسى غرفة صغيرة أُعدّت لاستقبال العروسين مسكناً شاملاً يفي بعض الوفاء بحاجتهما الضرورية. فرشها رمل، في ناحية بسط إهاب كبش، في أُخرى حصير هجري، في ثالثة فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو ثانيهما صوف ... وسرير ملفوف بشريط من خوص. هنا وهناك قطع من الأثاث وأدوات المنزل، تناثرت في أنساق لا تخلو من لمسات ذوق سليم. ودخل رسول الله، تسبقه إشراقة محيّاه، على فتاته وفتاه. فلمّا استوى به المقام، وقد ضمّ العروسين بين جناحيه، أمر فجيء له بإناء فيه ماء توضّأ منه، ثم نثر بعضه على رأسي حبيبيه وهو يتلو بخشوع من آي القرآن، ويدعو ربّه لهما بخير الدعوات. أفكانت تلكم القطرات المائية رمزاً لنشوء الحياة، وكانت دعواته رجاءً إلى ربّه أن يجسّد الرمز خلفاً طهوراً، ينحدر منهما في الأجيال؟ لكأنّ الأمر كذاك؟ ولكأنّه كان يرتّل بلسان وجدانه قول الله: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْء حَيٍّ)[1119]. فلم يكن شيء أحبّ إليه من ذريّة صالحة بعضها من بعض، تخرج من حبيبيه