فكيف تكفيهم المآكل يكاد يضيق عنهم الهواء. فكيف تكفيهم المآكل التي أُعدّت لهم وهي توشك ألاَّ تفي بحاجة النفر القليل فضلاً عن أولئكم العشرات والعشرات؟ ويبتسم عن رضا وطمأنينة، فثقته في كرم ربّه بلا حدود، ودعوة إليه سبحانه كفيلة بأن تستنزل بكراته، فإذا صحاف الطعام ما يكاد ينتقص منها شيء حتّى تعود فتمتلئ، ولا يكاد ما بها من صنوف يغيض حتّى تعود فتفيض. وينادي الرسول الهاشميات، ونساء المهاجرين والأنصار: أن هلُمّ فاطمة فازففنها إلى بيت الزوجية! ويؤتى له ببغلته الشهباء، فيفرش على ظهرها قطيفةً، ثم يطلب إلى فاطمة أن تعتلي الدابّة المطهَّمة[1115]. ويمضي الرَكْب ... من أمام يتقدّم سلمان الفارسي فيمسك بعنان الدابّة، يقودها على الطريق، ومن وراء يمشي الرسول بين «حمزة» و«جعفر» و«عقيل»، وطائفة آخرون من بني هاشم، مشهري السيوف، ويتبعهم الناس أرسالاً تليها أرسال. * * * على هينة وهوادة انطلق موكب العروس. في الصدور سرور، في القَسَمات بسمات، في الخُطى نشوة تجعل الحركات الفرحة أشبه برقصات. حتّى الأُفق قد اصطبغ بلون ورديٍّ بهيج، إذ أخذ الوقت يزحف وئيداً نحو الغروب ... على جانب من السماء سحائب رقيقة شفّافة، تتهاوى في رفق وسنان، فكأنّها ديباجات أعلام تداعبها خطرات النسيم، أو كأنّها أجنحة حمامات بيضاء ترفرف آناً مصعدة، وآناً محومة حول الموكب الكبير.