وأنّى له الإنكار وقد عادت الناقة بغير صاحبها نذيراً بمصرعه أقرب منها إلى بشير بالانتصار؟ * * * لكن دعوى المفترين ما لبثت أن ذهبت مع انحدار شمس النهار، فما انقضت الليلة إلاَّ وقد دخل محمد وصحبه المدينة مرفوعي الرايات. ثم لم تمض على النصر في «بدر» إلاَّ كسفه[1109] من وقت لم تجاوز الشهر وما فوقه بقليل حتّى هيِّئ لفاطمة أن تستقبل يوم «البناء». جمع بين نساء بني هاشم وأُخريات من السيدات مجلس حول أحاديث ودٍّ وتسرية، فتذاكرن أمر الزهراء. قالت واحدة: ما بال علي بن أبي طالب لا يطلب زوجه من نبي الله؟ قالت ثانية: لعلّه يمنعه من ذلك حياؤه من الرسول. فانبرت من بينهنّ إلى رسول الله حاضنته «أُم أيمن»، تلك السيدة التي يبرّها محمد برّ ولد بأُمه، ولا تكاد تجترئ عليه بالمصارحة والرأي والرأي المفتوح غيرها من النساء. وضربت عليه بابه ... وهشّ[1110] لها. فلمّا أنست إلى إقباله عليها، تقدّمت فانتقت باللباقة وحسن الصياغة خير الألفاظ التي تحرّك فيه عاطفته، وتحيل كيانه سمعاً مصغيّاً، وقلباً ملبّياً، نبضاته نغم حلوة كأُنشودة من حنان. قالت له: يا رسول الله! ثم دخلت إلى وجدانه من أوسع الأبواب: يا رسول الله! لو أنّ خديجة باقية الآن لقرّت عينها بزفاف فاطمة.