فتحها على غيره من صناديد أهل الإسلام، لم تكد درعه تغني عنه بعد أن تحطّمت تحت ضربات سلاح اليهود. عندئذ ألقى بها تحت قدميه، واستقبل أعداءه حاسراً[1091] غير دارع، ثم راح يجول فيهم ويصول حتّى قيِّض[1092] له أن يخلع باب حصن «ناعم»، ويتّخذه درعاً تحمله يسراه ... ثم معبراً على خندق القلعة ينطلق فوقه ورجاله إلى مجنّة أعداء الله! * * * دفع الفتى درعه مهراً ... ومضت «أُم سلمة» فاشترت بالدراهم جهاز العروس. فأيّ جهاز؟! لا رياش! لا زخرف! لا اكتفاء ... بل متاع قليل رخيص، لا يكاد يفي بما يقي الزوجين حرّ صيف ولا برد شتاء. فراش محشوّ بصوف خام، وسادة من أدم بُطنت بليف، حصير ...، بضع أدوات للسقاء والغسل وطهو الطعام، قربة ماء، رحى لطحن الحبوب، قدر من نحاس، آنية من فخار ... وقبل هذا كلّه شيء من الطيب[1093]. وعندما آن الوقت لعقد الزواج، أمر رسول الله بلالاً: داعي السماء، فأذّن في الناس. فلمّا اجتمع المسلمون ملبّين الأذان، خطبهم محمد فقال: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، تبارك اسمه، وتعالت عظمته، جعل المصاهرة سبباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وأنتج بها الأرحام، وانتظم بها الأنام، وقال عزّ من قائل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً)[1094] ...».