والمسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر[148] ـ إلى أبيه في سجنه بمن يشاوره، لكنّ أباه شجّعه على الكفاح والنضال من أجل حقّ آل البيت، هذا رغم ما كان يلاقيه الأب وأُسرته من اضطهاد وتعذيب. وهنا بدأ محمد وإبراهيم يعدّان العدّة للخروج من دعوتهما السرّية إلى الدعوة العلنية، ويستفحل أمرهما، ممّا أزعج المنصور; لأنّهما هدّدا أركان الدولة العباسية بأسرها. ويحجّ المنصور في سنة 144 هـ ، ويأتي إلى المدينة المنوّرة، فجاءوا له بالمسجونين من آل البيت; لينكل ببعضهم، ويرسل البعض الآخر إلى سجون أخرى، على أقتاب جمال بغير وطاء، جمال بغير سروج وغطاء ـ كما يقول الطبري[149] ـ ويحبس أغلبهم في سراديب تحت الأرض، لا يفرّقون فيها بين ضياء النهار وسواد الليل. ويزيد المنصور في تعذيب كبار آل البيت، حتّى يموت عبدالله المحض وأخواه: إبراهيم القمر والحسن المثلث، خنقاً داخل السراديب المظلمة. وكان لابدّ لمحمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم من الظهور، بعدما جرى لأهلهما أهل البيت النبوي الكريم. وفعلاً ظهرا علناً في جمادى الآخرة سنة 145 هـ ـ 762م. ظهر محمد النفس الزكية بعد أن بايعه الناس بالإمامة في مكة والمدينة، أي الحجاز، وتلقّب بأمير المؤمنين. وقد شجّعه أيضاً على الظهور فتوى الإمام مالك بنقض بيعة المنصور، حين قال لأهل المدينة: «إنّما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين». كما شجّع محمداً النفس الزكية وإبراهيم على الظهور تلك الخطابات التي جاءت من الأمصار الإسلامية بتأييد الناس له، وهي خطابات ـ كما يقول المؤرّخون ـ غالبيتها دسيسة من تدبير الخليفة المنصور وأعوانه; لكي يظهر محمد وأخوه ويسهل على العباسيّين اصطيادهما.