لماذا مصر؟ ذكرنا تلك الأسباب لنخلص منها إلى اختيار السيدة زينب رضي الله عنها ـ وهي أول مهاجرة من أهل البيت ـ مصر مقاماً لها، فلماذا اختارت مصر بالذات لتهاجر إليها؟ والجواب على ذلك ورد على لسان ابنة عمها حين قالت لها: «إرحلي إلى بلد آمن». فقد كانت مصر في هذه الآونة أكثر البلاد أماناً واستقراراً، فالحجاز وحاضرتاه مكة والمدينة، قد اشتعل غضباً على «يزيد» كما يقول المسعودي: ولمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله، وما ظهر من فسقه وقتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنصاره... أخرج أهل المدينة عامله عليهم وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم وسائر بني أُمية. ونما فعل المدينة ببني أُمية إلى يزيد، فسيّر إليهم الجيوش بقيادة مسلم بن عقبة المرّي الذي حاصر المدينة من جهة «الحرّة»، وأخاف أهلها، وقتل منهم عدداً كبيراً، ولاسيّما من بني هاشم الذين لم ينج منهم سوى علي بن الحسين المعروف بالسجاد، وعلي بن عبدالله بن العباس وقد عصم الله الأول بدعائه، ومنع الثاني أخواله من كندة الذين كانوا في جيش مسلم بن عقبة. وترك مسلم بن عقبة المدينة متّجهاً إلى مكّة التي ثارت بقيادة ابن الزبير، ولكنّه هلك في الطريق، وتولّى بعده قيادة الجيش الحُصَين بن نمير الذي نصب المجانيق حول الكعبة ورماها بالأحجار المحماة، حتّى اشتدّ الأمر على أهل مكّة وابن الزبير[63]. فلا يمكن ـ والحالة هذه ـ أن يستقرّ مقام أهل البيت في هذا الجوّ المشحون بالخطر في الحجاز، أمّا الشام فهو مقرّ الأمويّين، الذين اصطنعوا أهله بالمال والوعود، وزيّنوا لهم كراهية علي وبنيه. أمّا العراق وهو شيعة علي، فقد وجّه إليه الأمويّون سخطهم، وبلوا أهله