وخشي أن يكون سبباً في انتهاك حرمتها، فقال: «لأن أُقتل خارجاً منها بشبرين أحبّ إليَّ من أن أُقتل خارجاً منها بشبر، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا بي حاجتهم، والله ليعتدى عليَّ كما اعتدى اليهود في السبت». ويمضي الحسين إلى الكوفة، ولكنّه يُضيق عليه الخناق في الطريق، ويُحاصر في كربلاء بجيش كثيف ينتهي باستشهاده (رضي الله عنه) بعد أن أبلى بلاءً حسناً، وبعد أن حيل بينه وبين الماء، وبعد أن ناشد المحيطين به من أهله وذوي قرابته والمناصرين له أن يتفرّقوا عنه في سواد الليل; لأنّ القوم ليس لهم مطمع سواه، ولكنّ هؤلاء أبوا مفارقته، واستشهدوا دونه، واستشهد معهم. وأثارت هذه الحادثة ثائرة الناس، وكان من نتائجها ثورة المدينة بعد ذلك التي قمعت بكلّ عنف[62]، وتبعها حصار مكة وضربها بالمنجنيق. وكان الوالي في المدينة قبل نشوب الثورة يخشى وجود السيدة زينب بها، فطلب منها بأمر يزيد أن تخرج من المدينة وتختار أيّ بلد تريد، ولكنّها رفضت في أول الأمر قائلة: «قد علم الله ما صار إلينا، قُتل خيِّرنا، وسيق الباقون كما تُساق الأنعام، وحُملنا على الأقتاب، فوالله، ما خرجنا وإن أريقت دماؤنا». وأحاط بها نساء بني هاشم مشفقات عليها من مصير آخر مشؤوم إن هي استمرّت في مناوأة الوالي. وقالت لها ابنة عمها زينب بنت عقيل: «يا ابنة عمي، قد صدقنا الله وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ منها حيث نشاء، وسيجزي الله الشاكرين، إرحلي إلى بلد آمن» فاختارت مصر. * * *