إلاّ في هذه المساجد الثلاثة المذكورة يكون الثواب أكبر[47]. وهذا لا يعني ألاّ يسافر المرء إلى مسجد غير هذه الثلاثة المذكورة، وإلاّ لما حرص المسلمون على الصلاة في مسجد قباء على سبيل المثال، وهم قد جاءوا إلى هذا من بلاد بعيدة، وكذلك يحرص الحجّاج والمعتمرون على زيارة مساجد المدينة ومكّة للصلاة فيها. فالمعنى ينصرف إلى بيان أفضلية المساجد الثلاثة على غيرها، ولا ينفي السفر لزيارة غيرها والصلاة فيها، وكلٌّ له درجته عند الله. وحول الحديث الثاني، وهو قوله (صلى الله عليه وآله): «لا تجعلوا قبري عيداً» من رواية أبي داود[48] فإنّ ما فهمه العلماء المنصفون هو: ألاّ تجعلوا قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) كالعيد بالعكوف عليه وإظهار الزينات عنده، والاشتغال عنده باللهو والطرب ممّا يجتمع له في الأعياد، أي: لا يؤتى القبر إلاّ للدعاء والزيارة. وهذا كلام ابن حجر (رضي الله عنه)، ثم أضاف: وكذلك يعلم من الحديث: ألاّ تجعلوا للزيارة يوماً مخصوصاً مثلما للعيد يوم مخصوص، فلا يزار القبر إلاّ في هذا اليوم فقط[49]. كما يستفاد من الحديث: الزجر عن سوء الأدب عند القبور، والتزام الأدب الذي لا يتجاوز الدعاء والاعتبار والتأسي بأعمال وسيرة الصالحين الذين تضمّهم هذه القبور. وعن الحديث النبوي الشريف: «اشتدّ غضب الله على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»[50]، فقد جعل بعض المعترضين من هذه ذريعةً لمنع الزيارة، ويزعمون أنّ سبب المنع لديهم المحافظة على التوحيد، وهذا الزعم باطل; لأنّ الممنوع هو اتّخاذ القبور مساجد يعكفون عليها، أمّا الزيارة والدعاء عند القبور بقصد الموعظة