بعضهم، حيث أزورهم في السنّة ثلاث مرّات بقصد صلة رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكره ذلك أحد إلاّ لقلّة فهمه وإدراكه لمنزلتهم، أو لعدم ثبوت دفنهم في قبورهم المقامة، وهذا جمود، فإنّ الظنّ يكفينا في كلّ خير. وإنّ المؤمنين لايلجأون إلى قبور الأولياء الصالحين وآل البيت المطهِّرين إلاّ حبّاً فيهم، واتّعاظاً وتأسّياً بأخلاقهم، وكذا ترحّماً واستغفاراً من الزائر للمزور، ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب خيرٌ للاثنين، وكلّ من تُرجى بركته في الدنيا تُرجى بركته كذلك في الآخرة، فإنّ للصالحين شفاعة لإخوانهم عند الله تعالى. كما أنّ لروح الميّت تعلّقاً شديداً بجسده، وعندما يقف الزائر عند القبر ـ وخاصّةً قبور الصالحين ـ تتلاقى الأرواح، فيسلّم الزائر وتردّ روح المزور السلام، ومن هنا تكون الزيارة سبباً لراحة الزائر والمزور، ولهذا شرِّعت الزيارة، كما أنّ اتّصال أرواح الأموات بالأحياء ثابت بالسنّة. وإذا كان البعض يخشى على الزائر الوقوع في الشرك، فلينظر إلى الزائر وهو يتوجّه إلى القبلة يدعو الله; ليقينه أنّ المعبود هو الله، وأنّ المتوجّه إليه بالدعاء هو الله سبحانه وتعالى لا غير، وليس هناك بين الزائر والمزور إلاّ علاقة اتّصال روحي تسري بينهما. وفي الأثر: أنّ الملكين الموكلين بالعبد في الدنيا يقولان عندما يموت العبد: «يا ربِّ مات فلان فأذن لنا أن نصعد إلى السماء، فيقول الله تعالى: إنّ سماواتي مملوءة من ملائكتي يسبّحونني، فيقولان: ربّنا نقيم في الأرض، فيقول الله تعالى: إنّ أرضي مملوءة من خلقي يسبّحونني، فيقولان: يا ربِّ فأين نكون؟ فيقول الله تعالى: كونا على قبر عبدي فكبِّراني وهلِّلاني وسبِّحاني، واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة» (القرطبي). ومع هذا فإنّ هناك من يرفض الزيارة وحتّى الصلاة في هذه المساجد، متعلّلاً بمفهومه من الحديث الشريف «لاتشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»[637].