هذا الإمام كان حفيّاً به أن ينجب إماماً آخر من الأئمة، ومن العلماء الذين واصلوا العطاء.. حتّى صار ينسب إليه معظم فرق الشيعة... وهو الإمام محمد الجعفري صاحب المقام والمقبرة التي هي حديث الأوراق. ولد محمد الجعفري من أم ولد يقال لها: حميدة، وكان محمد منذ نعومة أظفاره وقوراً، يترفّع عن الصغائر، ولايجاري أترابه في لعبهم ولهوهم. وكان هذا الصبي قريباً إلى قلب والده الإمام جعفر لشدّة شبهه بالوالد، وبرسول الله (صلى الله عليه وآله)[613]. وعن هذا الحبّ الخالص بين الأب وابنه أورد المؤرّخون الكثير من الحكايات، منها: أنّ محمداً دخل على أبيه جعفر يوماً وهو صبي، فعدا نحوه، فكبا في قميصه ووقع لحرّ وجهه، فقام إليه جعفر وقبّله، ومسح التراب عن وجهه، ووضعه على صدره، وقال: سمعت أبي يقول: إذا ولد لك ولد يشبهني فسمِّه باسمي، فهو شبيهي وشبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى سنّته. ويضيف النوبختي على ذلك فيقول: لذلك فقد جعل جماعة من الشيعة الإمامة لمحمد بن جعفر وولده من بعده فرقة، وهذه الفرقة تسمّى «السمطية» التي تُنسب إلى رئيس لهم، يقال له: يحيى بن أبي سميط![614]. ودعوة محمد بن جعفر الصادق الشيعية في الإمامة، لم تمت بموته كما أقرّ ذلك كلّ مؤرخي الشيعة، حيث ذكر ذلك المؤرّخ يحيى بن الحسين في كتابه المهمّ «تاريخ الأئمة السادة على مذهب الزيدية» وممّا قاله في السياق: وقد كاتبه أهل البصرة والأهواز، وحثّوه على الظهور، فاتّصل خبره بمسامع الخليفة! فأمر بالتشديد في طلبه... فلم يطب للقاسم المقام في مصر، فعاد إلى الحجاز، ومنها إلى تهامة. ولحق به جماعة من بني عمه وغيرهم... فبثّوا الدعوة باسمه في بلخ والبلقان