بعيدات عن اللغو والتفاهة، والهذر وفتنة الدنيا، التي لا تفتأ تغالب كلّ مجتمع، حتّى ولو كان مجتمعاً يحكمه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فما بال مجتمع أغرقته ثروات الفتوحات، وغزته الميول والأهواء لتسحبه تدريجياً من طقس الجدّية والالتزام، في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) والراشدين، إلى ردّة الترف والشعر العائد لمجون الجاهلية وخمرها، ومجالس القيّان والخلاعة، وثرثرة الأخباريّين ورواياتهم المختلقة أو الحقيقية عن نوادر البيوت وفضائحها. * * * أينما تلّفتت سكينة في تلك المرحلة ـ الآمنة نسبياً في حياتها العاصفة ـ لم تكن لترى في أبيها وعمّتها وإخوتها وأبناء عمومتها وأهلها إلاّ سياجاً نورانياً، يعتصم من فتنة الدنيا بمدارسة القرآن والحديث، والاعتكاف والتهجّد والتعبّد، والقنوت بالأدعية الخاشعة، التي ضمتها حافظة أهل البيت، مأثورات عن جدّهم الرسول (صلى الله عليه وآله)، أو إبداعاً من دعاء قلوبهم الصافية، متوجّهاً في تسابيح لله سبحانه وتعالى. يكمل هذا الجوّ من البشر الإسلامي المحبّة والسكينة، التي كان الحسين يلمسها خاصّةً عند زوجته الرباب، التي نادت طفلتها آمنة باسم «سكينة» عنواناً لبيتها مع الحسين الذي لم يجد حرجاً في تحية أهله بأبيات تقول: لعمري إنّني لأحبّ داراً *** تكون بها سكينة والرباب أحبّهما وأبذل كلّ مالي *** وليس لعاتب عندي عتاب![424] وإذا كان الحسين قد ملكه كلّ هذا الحبّ لسكينة وأُمّها، أفلا يعني هذا، وهو إمام المسلمين، أنّه رآهما على خير ما يودّ أن يراه في نموذج الزوجة المسلمة، والابنة المسلمة، وهو الذي «ما رئي إلاّ عاكفاً على العبادة والجهاد... جهاداً مع النفس، ومع الباطل أينما كان» على حدّ قول الدكتورة بنت الشاطئ.