عادت بعد ذلك إلى المدينة، كان عمر بن أبي ربيعة قد جاوز الأربعين، وأقلع عن العبث، وأقسم ألاّ يقول شعراً في الغزل. وإذن، فما ورد من شعر على لسانه يتحدّث فيه عن سكينة، لا أصل له، وربّما حوّل بفعل بعض الرواة من سكينة أخرى إلى سكينة بنت الحسين. والدليل على ذلك عدم اتّفاق الرواة في هذه الأشعار، واختلافهم اختلافاً شديداً فيما روي منها. شجاعتها يحدّثنا الرواة على أنّ السيدة سكينة كانت مثالاً للشجاعة والصبر. كان ابن مطير ـ خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم المرواني ـ يذكر جدّها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فكانت تتصدّى له وتردّ عليه، فلا يملك أن يردّ عليها. وذكر صاحب الأغاني في شجاعتها وصبرها هذه القصة العجيبة، قال: ظهرت لها سلعة[409] في أسفل عينها، ما زالت تكبر حتّى أخذت جانب وجهها وعينها، وكان «درافيس» العالم بالطبّ في خدمتها، فقالت له: أما ترى ما وقعت فيه؟ فقال لها: أتصبرين على ما يمسّك من الألم حتّى أعالجك؟ قالت: نعم. فشقّ جلد وجهها، وسلخ اللحم من تحتها حتّى ظهرت عروقها، وكان منها شيء تحت الحدقة، فرفع الحدقة عنها، حتّى جعلها ناحيةً ثم سلّ عروق السلعة من تحتها، فأخرجها أجمع، وردّ العين موضعها، وسكينة لا تتحرّك ولا تئنّ حتّى فرغ ممّا أراد! وزال ذلك عنها وبرئت منه، وبقي أثر الحزازة في مؤخّر عينها، فكان أحسن في وجهها من كلّ حلي وزينة، ولم يؤثّر ذلك في نظرها ولا عينها[410].