وشقّ ذلك على سكينة، فأمرت حاديها أن يردّ قائلاً: عائشُ هذه ضرّةٌ تشكوك *** لولا أبوها ما اهتدى أبوك فأمرت عائشة حاديها أن يكفّ، فكفّ[403]. قال الإمام السبكي معلّقاً على هذا الخبر: فللّه درّ عائشة حيث كفّت في موضع الإكفاف أدباً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فقد كان الأمر والمفاخرة في الدنيا هزلاً، فقابلته سكينة بذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جداً، فأفحمت خصمها، وأقامت عليها الحجّة، فللّه درّها من مناظرة عرفت مواقع الجدل، ودرّ عائشة من مذعنة للحقّ منقادة إلى الصدق![404]. وشهدت سكينة يوماً مأتماً ـ فيه بنت لعثمان بن عفّان (رضي الله عنه) ـ فقالت بنت عثمان: أنا بنت الشهيد ـ قالت ذلك على سبيل الفخر، وهي توجّه كلامها إلى سكينة ـ على حين أمسكت سكينة صامتة، إلى أن أذّن المؤذّن من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) للصلاة، فلمّا بلغ قوله: «أشهد أنّ محمداً رسول الله» التفتت سكينة إلى بنت عثمان وسألتها: أهذا أبي أم أبوك؟ فأجابت بنت عثمان في تواضع وحياء: لا أفخر عليكم أبداً[405]. حكت صاحبة الدر المنثور قالت: وكانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها، ومن أجمل النساء وأظرفهنّ وأحسنهنّ أخلاقاً، ولها نوادر وحكايات ظريفة مع الشعراء![406]. وكانت السيدة سكينة عفيفة أريبة، ولم يكن لقاؤها بالشعراء إلاّ بهدف تزجية وقتها، والتسرية عن نفسها ممّا لقيته من آلام ومحن، فإنّ حياتها كانت سلسلة من النكبات، فجعت بمصارع أحبّتها في كربلاء، وروِّعت بالترمّل، ولم تصف حياتها