تتكلّف النسيان، وكم كلّفها ذلك الكثير من الجهد والمشقّة! حتّى إذا استقامت الحياة لها قليلاً، رُوِّعت بمصرع زوجها والتي أنست هي إلى ظلّه، واستراحت في كنفه فترةً من الدهر. لقد تجدّدت أحزان سكينة بوفاة زوجها في صراعه مع عبدالملك بن مروان، وغاظها أن وفد عليها الكوفيّون يعزّونها. وقد كانت تستشعر حزناً قاسياً، فقالت لهم: «الله يعلم أنّي أبغضكم، قتلتم جدّي علياً، وقتلتم أبي الحسين، وقتلتم زوجي مصعباً، فبأيّ وجه تلقونني؟ تيتّمت صغيرة، وترمّلت كبيرة على أيديكم». وقد أعقبت من مصعب فتاة جميلة أسمتها الرباب على اسم أُمّها، زوّجها عمها عروة بن الزبير من ابنه عثمان بن عروة، وماتت وهي صغيرة. وكانت هذه الفتاة الجميلة تفوق الدرّ جمالاً وحسناً، وكانت أُمّها تحليها بالجواهر، لا لتزيد من حسنها، بل لتفضح هي الجواهر بحسنها! ومكثت سكينة حيناً من الزمن دون زواج، تعاني الحزن والألم ومرارة الذكريات، وتستعين على ذلك بالصبر والصلاة، كما أمر القرآن الكريم. ثم تقدّم لخطبتها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، خطبها من أخيها علي زين العابدين، ولكنّها خطبة لم تتمّ. وقيل: إنّ الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان خطبها، وكان حينئذ والياً على مصر، فقبلت بعد تردّد. ولكن هذا الزواج لم يتمّ أيضاً; لأنّ عبدالملك بن مروان أرسل لابن أخيه يخيره بين البقاء في ولاية مصر أو الزواج من سكينة بنت الحسين، فاختار الولاية على الزواج منها.. وأرسل إلى سكينة ذلك، فحمدت الله على ذلك. وبقيت سكينة في المدينة، وبقي الأصبغ في مصر محزوناً. وتزوّجت سكينة من عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام، وهو رجل