حاسرة الرأس، تسير في موكب السبايا الكريمات من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كربلاء إلى الكوفة، إلى دمشق، إلى المدينة، يتطلّع إليها وإليهنّ كلّ من غلبه حبّ الاستطلاع على حبّ اتّقاء الله بغضّ البصر رحمةً ومودّة في قربى النبي المفدّى، ومنهنّ نائحات: «وامحمداه! هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمداه! هذه بناتك سبايا، وذرّيتك مقتلة، تسفى عليها الصبا!». وَى لنيران الغضب من جرأة السفهاء، الذين ـ مع هذا النحيب ـ لم يكتفوا بالنظر، بل بادروا بالوصف والتغزّل في محاسن وجه بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)! * * * تمرّ أحداث التاريخ المعروف، وزينب في خضمها يوماً بيوم، بل لحظةً لحظة، والقضية أمامها: إسلام أو لا إسلام، حقّ أو باطل. تأتي فتنة التآمر لقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفّان فيأمر علي بن أبي طالب ولديه: ـ «اذهبا بسيفيكما حتّى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحداً يصل إليه بمكروه...»[285]. لكنّ الأهواء ما تلبث أن تجعل الذين أثاروا النفوس على عثمان هم المطالبون بثأر عثمان، ويقفون مناوئين لخلافة إمام المتّقين، وباب مدينة العلم، معلّم الفقهاء: علي بن أبي طالب. ويعلنها بنو أُمية حرباً سافرة على بني هاشم، إحياءً لثارات الجاهلية، وطمعاً في ملك الدنيا، ويخرج الصحابي الجليل عمّار بن ياسر، وعمره تسعون سنة، يقول مهتاجاً: «أيّها الناس، سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنّهم يثأرون لعثمان، ووالله ما قصدهم الأخذ بثأره، ولكنّهم ذاقوا الدنيا واستمرؤوها، وعلموا أنّ الحقّ يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم، وما كان لهؤلاء سابقة في الإسلام يستحقّون بها طاعة الإسلام، أو الولاية عليهم... ألا إنّهم ليخادعون الناس بزعمهم أنّهم يثأرون لدم عثمان، وما يريدون إلاّ أن يكونوا جبابرةً وملوكاً. والذي