وأغمض عيني وأطرد من ذهني كلّ أوصافها التي خاض فيها المؤرّخون والرواة والكتّاب ـ سامحهم الله ـ فلا أرى تفصيل هيئة أو وجه، لكنّني أراها: خديجة تعود... خديجة السكن الرؤوم! ويدخل بيت علي ثماني نساء زوجات له بعد فاطمة الزهراء، معظمهنّ أرامل شهداء، وإخوة في الجهاد، أو يتيمات كريمات، سوف يجدن في بيت إمام العلم حمايةً ورعايةً وتربية، وإعداداً طيّباً ليكنّ رساليات حاملات للعلم والفقه. ويحتفظ بيت علي لزينب بموقعها: أُمّاً لأخويها، وتلميذةً لباب مدينة العلم النبوي، فتجلس بين يدي أبيها علي يعلّمها تفسير بعض الآيات، ويأخذه الحديث إلى ما ينتظرها من دور خطير، فتومئ زينب برأسها، «أعرف ذلك يا أبي... أخبرتني أُمي!». وتسمع عن أنس بن مالك يقول: «كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فرأى علياً مقبلاً، فقال: يا أنس، قلت: لبيك، قال: هذا المقبل حجّتي على أمتي يوم القيامة» لم أجد له أصلاً فتأخذها المسؤولية منذ البداية، لكي لايفوتها من أبيها ما لم تستطع أن تأخذه مباشرةً من جدّها رسول الله، وخاتم أنبيائه، وقد عرفت قول الرسول المفدّى: «علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي»[281]. فتعلّمت بعلم أبيها الذي وصفه ابن عباس: «والله لقد أُعطي علي تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر»! وحفظت بلاغته، وحكمته، ومأثوراته في القضاء: أُتي عمر بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور، فأمر برجمها، فردّه علي وقال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلّك انتهرتها أو أخفتها، قال: قد كان ذلك، قال: أَوَ ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا حدّ على معترف بعد بلاء، إنّه