وكربلاء كانت دقّات على دفوف النساء المشركات، يرقصن على جثث شهداء المسلمين! يقطعن الآذان والأنوف يعلّقنها أقراطاً وقلائد، ويبقرن البطون يمضغن الأكباد، وقائدهم أبو سفيان يقول للنبي وأصحابه: «اعل هبل، الحرب سجال، يوم بيوم بدر!». ويكاد يكرّرها حفيده يزيد بعده بنصف قرن، حين تسقط بين يديه رؤوس الشهداء من أحفاد النبي وأحفاد أصحابه، فيتغنّى بأبيات من شعر الشماتة: ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلّوا، واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا: يا يزيد لاتشل! لكنّ الله أعلى وأجلّ! فيشاء سبحانه وتعالى أن يظلّ قول نبيه المبعوث للعالمين أمام عناد المشركين من قريش: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه». يظلّ هذا القول رايةً نبويةً، يحملها علي ويستشهد تحتها، ويحملها أبناؤه: الحسن ثم الحسين، وكوكبة من نجوم أهل البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً، ومعهم صحابة أبرار من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدّلوا تبديلاً، ووراءهم على طول الزمن الإسلامي، ومن مشارق الأرض ومغاربها تأتي قوافل من أبناء الإسلام، لاتنتهي ولاتنفد، بل تنمو وتربو كلّما اشتدّ الحصار وسقط الشهداء. فلايمكن للشهيد أن يحدّد نسله، وقد جعله الله أكثر الرجال خصوبةً، وما زال الإسلام الولود يكثر أبناؤه على طريق دين الله، والراية النبوية مرفوعة أبداً تتبادلها الأيدي: «والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه!». * * * وردة طفلة تولد في بيت النبوة في شعبان في السنة الخامسة للهجرة، ويسمّيها الرسول المفدّى: زينب.