وصوته الشريف ما زال يطوف بالضمائر: «أُذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي»[277]. يجلجل صوتك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، صوتك الذي عرفته الليالي متبتّلاً خاشعاً ذاكراً، يجلجل صوتك حاسماً صارماً: «صه يا أهل الكوفة! يقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم يا أهل الكوفة؟! يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم... ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون و تنتحبون؟ أي والله... فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، لقد ذهبتم بعارها و شنارها، ولن ترحضوها بغسل أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة! مدرة ـ المدافع عن ـ حجّتكم، ومنار محجّتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزغ نازلتكم، وسيّد شباب أهل الجنة، ألا ساء ما تزرون! فتعساً ونكساً، وبُعداً لكم وسُحقاً، فلقد خاب السعي وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة! ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم، وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً، تكاد السماوات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّاً... فلايستخفّنّكم المهل، فإنّه لايحفزه البدار، ولايخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد!»[278].