والشام، شرقي مدينة «بلبيس» بمحافظة الشرقية. وقد عرفت هذه القرية فيما بعد باسم «القرية العباسية» نسبةً للعباسة ابنة أحمد بن طولون. وقد وافق دخول السيدة الطاهرة مصر بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجرية، الموافق 26 أبريل سنة 681 ميلادية، وكان قد مضى على استشهاد شقيقها الإمام أبي عبدالله الحسين (رضي الله عنه) ستة أشهر وأيام. ولقد قال أحد الشعراء في اختيارها مصر داراً لإقامتها: لمّا رجعت من الشام ليثرب *** من بعد فاجعة الإمام الحسينِ طلبوا إليك الظعن للبلد الذي *** تستوطنينه خارج الحرمينِ فاخترت مصر فرحبت بكِ وانثنت *** تهتزُّ من شرف على الكونينِ وقد أنزلها الوليّ هي ومن معها في داره بالحمراء القصوى ترويحاً لها، إذ كانت تشكو ضعفاً من أثر ما مرّ بها، فنزلت بتلك الدار معزّزة مكرّمة، وبقيت فيها موضع إجلالهم وتقديرهم، حيث كانوا يفدون إلى منزلها الكريم متلمّسين بركتها ودعواتها، مستمعين إلى ما ترويه من الأحاديث النبوية الشريفة، والأدب الديني الرفيع. وبقيت العقيلة السيّدة زينب بتلك الدار أقلّ من عام بقليل، فلم تر خلال مدة إقامتها إلاّ عابدة متبتّلة متهجّدة، صوّامة قوّامة تالية لآي الذكر الحكيم. وقد انتقلت رضوان الله عليها عشية يوم الأحد لأربع عشرة مضين من رجب سنة اثنتين وستين من الهجرة، الموافق 27 مارس سنة 682 ميلادية، فمهّدت لها الأرض الطاهرة مرقداً ليّناً في مخدعها من دار مسلمة، حيث أقامت، وحيث اختارت أن تلقى فيها ربّها الكريم; ليكون مضجعها الأخير[275].