ففضّلوا أن تسكن الفتنة، ليتاح لدعوة الحقّ أن تشقّ طريقها في كلّ اتّجاه، فذلك أجدى بكثير من ثورة عارمة لا يعلم إلاّ الله تعالى مداها. وممّا يجدر ذكره أنّ قتلة الحسين (رضي الله عنه) وأهل بيته ظنّوا أنّهم يستطيعون القضاء على الذرّية المحمدية، ولكنّ الله تعالى أحبط كيدهم. فقد عاش زين العابدين علي بن الحسين وكثر نسله، وانتشرت في الأرض ذرّيته رضي الله تعالى عنهم جميعاً، ولايزالون حتّى الآن يعيشون في أقطار شتّى من الدنيا، فهم أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ولكنّ الله تعالى أتمّ نوره على الرغم منهم. وأمّا سيّدات بني هاشم اللاتي شهدن المأساة، فإنّ الأحداث المروّعة لم تستطع أن تطغي على إيمانهنّ و صبرهنّ، فقد بقين في الحياة وبعد الممات يملأن حياة المسلمين نوراً وهدىً، وخيراً وبركة، وفي طليعتهنّ سيّدتنا الطاهرة العقيلة السيدة زينب رضي الله تعالى عنها وأرضاها. وقد اختارت السيدة العقيلة زينب رضي الله تعالى عنها مصر داراً لإقامتها، لما سمعته عن أهلها من محبّتهم لأهل البيت النبوي الكريم، وعظيم عطفهم ومودّتهم وولائهم لذوي القربى، ولما تعرفه من أنّ مصر كنانة الله في أرضه، من أرادها بسوء من جبّار قصمه الله، ولما سمعته بما حدّثت به أُمّ سلمة، من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)أوصى قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى بأهل مصر، فقال: «إنّكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإنّ لهم ذمّةً ورحماً»[273]. وفي رواية: أنّه (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمّى فيها القيراط،