رفعهم إلى أعلى علّيّين، وجعل أعداءهم في أسفل سافلين. وفي اعتقادي أنّ الله تعالى لم يرد للإمام الحسين (رضي الله عنه) أن يكون والياً لأمور الدنيا; لأنّه لو تولاّها لكان واحداً من الخلفاء الراشدين، ولحكمة لا يعلمها إلاّ الله، اقتضت المشيئة الإلهية ألاّ يتجاوز عهد الخلفاء الراشدين أكثر من ثلاثين عاماً[272] بعد الرسول (صلى الله عليه وآله). فلو أصبح الإمام الحسين خليفةً لجاء في عهد غير عهده، وأوان غير أوانه، وكما قال الفرزدق الشاعر الكبير: القدر ينزل من السماء *** والله يفعل ما يشاء على أنّ ما صنعه الإمام الحسين كان له نور في الأرض وذخر في السماء، فما زال يذكر (رضي الله عنه) بكلّ إجلال وإكرام، بينما خصومه لايذكرون إلاّ بالرجم والشتم واللعن. وقد أصاب من قال: لذكرك فينا يا حسين خلود *** بقيت به حيّاً ومات يزيد نعم مات حتّى ضلّ في الأرض قبره *** وليس له بين القبور وجود ومن رجمت ذكراه من بعد موته *** هو الميّت لكنّ الحسين شهيد وقد يسأل القارئ عن الأمة الإسلامية بعد مقتل الحسين، لماذا لم تغضب غضبتها ولم تثر ثورتها؟ وأقول: إنّ الأمة قد حزنت أشدّ الحزن لمّا أصاب الإمام الحسين ورفاقه، ولكنّها إذ ذاك كانت ذاخرة بالعقلاء من الرجال ما بين صحابة وتابعين، وهؤلاء رأوا أنّ الثورة آنذاك لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى، فيسرعون بالتدخّل، ويعملون بكلّ ما أُوتوا من قوة على وقف تقدّم الدعوة وانطلاقها لهداية المشرق والمغرب،\