وقد روي[270]: أنّ زكريا (عليه السلام) لاذ من قاتليه بشجرة، فانفتحت له ودخل في جوفها، ولكنّ الطغاة البغاة أعملوا فيها بمناشيرهم حتّى نشروه وهو في داخلها، وشطروا جسمه شطرين، فلم ينقص ذلك من درجة الشهادة إلى جانب مرتبة النبوّة، فكان نبيّاً وكان شهيداً، وحاق بالظَلَمة ما بين الله تعالى في قوله: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَب مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) ]البقرة: 61[. وقد وصف النبي (صلى الله عليه وآله) بعض ما تعرّض له المؤمنون من قبل، وذلك حين جاء خباب بن الأرتّ يشكو إليه ما كان يعانيه هو ورفاقه من تنكيل كفّار قريش بهم، فقال (صلى الله عليه وآله): «اصبروا، فقد كان يؤتى بالرجل ممّن قبلكم، فيُنشر بمنشار من حديد من قمّة رأسه إلى أخمص قدمه، ما يصرفه ذلك عن دين الله»[271]. وفي القرآن الكريم إشارة إلى طوائف من المؤمنين بغى عليهم الكفّار، فحفروا لهم أخاديد في الأرض ملأوها ناراً، ثم أخذوا يعرضون عليهم الارتداد عن الإسلام فيأبون، فيقذفون بهم في تلك الأخاديد، ويجلسون للتفرّج عليهم وهم يحترقون، ومن هؤلاء: ابن ماشطة فرعون، فإنّه لمّا أراد فرعون أن يقذف به في النار، وخشيت عليه أُمّه، أنطق الله تعالى لسانه وهو طفل رضيع، وقال لها: تقدّمي يا أمي ولا تتقاعسي، فإنّك على الحقّ، فتقدّمت واحترقت، ولم تستغرق عملية احتراقها إلاّ لحظات قصيرة، من بعدها تفتّحت لها ولرضيعها أبواب الجنّة، ينعمان بقصورها وأنهارها، وأشجارها وثمارها، وكلّ ما فيها. فإذا كان الإمام الحسين (رضي الله عنه) ومن معه من بني هاشم قد لاقوا ما لاقوا من بغي الباغين، وظلم الظالمين، فإنّ ذلك لم يكن لهوان لهم على الله تعالى، إنّ الله تعالى