وأقمن مأتماً على الضحايا الشهداء. وقد سألن يزيد عمّا أُخذ منهنّ، فأضعفه لهنّ حتّى قالت السيدة سكينة ابنة الإمام الحسين رضي الله تعالى عنهما: ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية![265]. أمّا زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما، فكان قد أُدخل على يزيد وهو مغلول الأيدي، فقال ليزيد: «لو رآنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مغلولين لفكّ عنّا». قال: صدقت، وأمر بفكّ غلّه. فقال علي: ولو رآنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بُعَداء لأحبّ أن يقرّبنا. فأمر يزيد فقرب منه، وقال: إيه علي بن الحسين، أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت. فقال علي: (مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَتَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لاَيُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور) ]الحديد: 22، 23[. فقال يزيد: (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَة فَبِمَـا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ]الشورى: 30[. فقال علي: «هذا في حقّ من ظلم، لا من ظُلم»[266]. ثم سكت عنه، وأمر بإنزاله وأهل بيته ـ بعد أن خرجن من عند نساء يزيد ـ في دار خاصّة، وكان يدعوه للطعام معه سواء في الغداء أو العشاء. فدعاه مرّةً ومعه ابن الحسن ]عمرو[ وهو صبي، فقال له يزيد بن معاوية وهو يشير إلى ابنه خالد: أتقاتل هذا؟ فقال عمرو: أعطني سكّيناً وأعطه سكّيناً حتّى أقاتله!