تنتابها العواسل[262] وتعفرها أُمّهات الفراعل[263]. ولئن اتّخذتنا مغنماً، لتجدنّ وشيكاً مغرماً، حين لاتجد إلاّ ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلاّم للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل. فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لاتمحو ذكرنا، ولاتميت وحينا، ولاتدرك أمدنا، ولاترحض عنك عارها، وهل رأيت إلاّ فندا[264]، وأيامك إلاّ عدداً، وجمعك إلاّ بدداً، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين. فالحمد لله ربّ العالمين الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، نسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل». لم يستطع يزيد بن معاوية، مع ما هو عليه من سلطان ومُلك وهيبة يخشاها أكثر الناس أن يقاطع العقيلة السيدة زينب رضي الله تعالى عنها، أو أن يمنعها من الاستمرار في الكلام ـ رغم أنّه من لاذع القول وشديد التقريع ـ مع علم السيدة زينب أنّها في ذلّة الأسر، وأنّها كانت دامية القلب، باكية الطرف، ممّا مرّ بها من أحداث جسام. إنّه لموقف عظيم لايحتاج إلى برهان للتدليل على شجاعتها رضي الله تعالى عنها، وعلى قوّة حجّتها، إذ مثلّت في موقفها هذا الحقّ تمثيلاً صحيحاً، وأضاءت إلى طلاّب المعرفة والحقيقة سبيلاً واضحاً. إلاّ أنّ يزيد بن معاوية أراد أن يخرج من هذا المأزق الذي وقع فيه، والحرج الشديد الذي أصابه من افتضاح حقيقة أمره، فلم يستطع أن ينطق بغير هذه الكلمة: يا صيحة تُحمد من صوائح *** ما أهون النوح على النواح ثم أمر، فأخرج النساء وأُدخلن دور يزيد، فلم تبقَ امرأة من آل يزيد إلاّ أتتهنّ،