أشهد لقد رأيتُ النبي (صلى الله عليه وآله) يرشف ثناياه وثنايا أخيه ويقول: «أنتما سيّدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتلكما، ولعنه الله، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيرا». أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمد شفيعه، ثم قام أبو برزة فولّى. فقال يزيد: والله يا حسين، لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك! ثم قال: أتدرون من أين أُتي هذا؟ لقد قال: أبي علي خيرٌ من أبيه، وفاطمة أُمي خيرٌ من أُمّه، وجدّي رسول الله خير من جدّه، وأنا خيرٌ منه وأحقّ بهذا الأمر منه، فأمّا قوله: «أُمي خير من أُمّه» فلعمري فاطمة بنت رسول الله خير من أُمي، وأمّا قوله: «جدّي رسول الله خير من جدّه» فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلاً ولا ندّاً، ولكنّه أُتي من قبل فقهه، ولم يقرأ: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ)!![252]. ثم أدخل نساء الحسين عليه والرأس الشريف بين يديه، فجعلت فاطمة وسكينة ابنتا الشهيد الإمام الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول بدوره ليستره عنهما، فلمّا رأتا الرأس صاحتا، فصاحت نساء يزيد وولولت بنات معاوية، فقالت فاطمة بنت الحسين: أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟ فقال: يا ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره! فقالت: ما تُرك لنا خُرص[253]. فقال: ما أتى إليكنَّ أعظم ممّا أُخذ منكنّ[254]. وقد تجرّأ من أهل الشام من كان حاضراً في هذا الحبس، فقام وقال: هب لي هذه الجارية[255] يا أمير المؤمنين تكون خادمة عندي!